ابن تیمیة و کذبه الصراح (القسم الثانی)
وردت مجموعة من الرِّوایات فی مصادر الفریقین عن أهل البیت علیهم السلام و لفیفٍ من الصحابة، تفید أنَّ سورة هل أتی نزلت فی حقِّ أمیر المومنین و أهله علیهم السلام حینما أطعموا الیتیم و الأسیر و المشرک وآثروهم علی أنفسهم، کما ذکر غیرُ واحد من مفسَّری العامَّة هذه القِصَّة و نزولَ السُّورة فیهم سلام الله علیهم أجمعین، إلَّا أنَّ ابن تیمیَّة کالعادة جَابَهَ الحقَّ و أتی بالأکاذیب فی ردِّه لهذه الفضیلة، فقال فی مناقشته لهذه القصَّة:
أَنَّ فِی هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْیَتِیمَ قَالَ: " اسْتُشْهِدَ وَالِدِی یَوْمَ الْعَقَبَةِ " وَهَذَا مِنَ الْکَذِبِ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ لَمْ یَکُنْ فِیهَا قِتَالٌ، وَلَکِنَّ النَّبِیَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - بَایَعَ الْأَنْصَارَ لَیْلَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَبْلَ أَنْ یُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ. وَهَذَا یَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِیثَ، مَعَ أَنَّهُ کَذِبٌ، فَهُوَ مِنْ کَذِبِ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ النَّبِیِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ قَالَ: " اسْتُشْهِدَ وَالِدِی یَوْمَ أُحُدٍ " لَکَانَ أَقْرَبَ.
منهاج السنة النبویة ج 7 ص 185، اسم المؤلف: أحمد بن عبد الحلیم بن تیمیة الحرانی أبو العباس الوفاة: 728 ، دار النشر : مؤسسة قرطبة - 1406 ، الطبعة : الأولى ، تحقیق : د. محمد رشاد سالم
الجواب:
أقول:إنَّ الوقاحة لاتنفکُّ عن الرَّجل، فإنَّه یکذب بوضوحٍ غیرَ مُکترثٍ لما سیلحقه من الفضیحة، وکأنَّه ظنَّ أنَّ النَّاس یأخذون ما یقوله کأصولٍ مسلَّمةٍ من دون أیِّ نقاشٍ فخاب ظنُّه و أکدی أملُه.
تعامی الرَّجل عمَّا فی تراثه الَّذی کان بین یدیه و نصبَ عینیه، و حاول بکلامه التلبیسَ علی ضعفاء العلم، فإنَّ التَّعبیر بالعقبة لم یکن مختصَّاً بالَّلیلة الَّتی بایع النَّبیُّ صلَّی اللَّه علیه و اله وسلَّم فیها الانصار، بل المراد بالعقبة الطریقُ الصعبُ الوعرُ فی الجَّبل الَّذی یُرتقی بمشقَّة؛ وعلیه فالعقبات کثیرةٌ کما جاء هذا التَّعبیر لعدَّة مواطنَ فی کتب العامَّة و لم یکن حکراً علی لیلة بیعة الرضوان. نذکر موردین منها:
الروایة الأولی:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ یُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِی یُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِی عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِیِّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِیِّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَیْکَ یَوْمٌ کَانَ أَشَدَّ مِنْ یَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: " لَقَدْ لَقِیتُ مِنْ قَوْمِکِ مَا لَقِیتُ، وَکَانَ أَشَدَّ مَا لَقِیتُ مِنْهُمْ یَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِی عَلَى ابْنِ عَبْدِ یَالِیلَ بْنِ عَبْدِ کُلاَلٍ، فَلَمْ یُجِبْنِی إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِی، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِی، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِی، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِیهَا جِبْرِیلُ، فَنَادَانِی فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِکَ لَکَ، وَمَا رَدُّوا عَلَیْکَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَیْکَ مَلَکَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِیهِمْ، فَنَادَانِی مَلَکُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَیَّ، ثُمَّ قَالَ: یَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِکَ فِیمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَیْهِمُ الأَخْشَبَیْنِ؟ فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ یُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ یُشْرِکُ بِهِ شَیْئًا "
الجامع الصحیح المختصر ج 3 ص 1180، اسم المؤلف: محمد بن إسماعیل أبو عبدالله البخاری الجعفی الوفاة: 256 ، دار النشر : دار ابن کثیر , الیمامة - بیروت - 1407 - 1987 ، الطبعة : الثالثة ، تحقیق : د. مصطفى دیب البغا
الروایة الثانیة
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِکٍ قَالَ: لَمَّا کَانَ یَوْمُ الْعَقَبَةِ بِفَارِسَ. وَقَدْ زُوِیَ النَّاسُ. قَامَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِکٍ فَرَکِبَ فَرَسَهُ وَهِیَ تَوْجَى. ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: بِئْسَ مَا دَعَوْتُمْ أَقْرَانَکُمْ عَلَیْکُمْ! فَحَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِینَ بِهِ وَاسْتُشْهِدَ. رَحِمَهُ اللَّهُ. یَوْمَئِذٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَإِنَّمَا یَقُولُ إِنَّهُ اسْتُشْهِدَ یَوْمَ تُسْتَرَ. وَتِلْکَ النَّاحِیَةُ کُلُّهَا عِنْدَهُمْ فَارِسُ.
الطبقات الکبرى ج 7 ص 16، اسم المؤلف: محمد بن سعد بن منیع أبو عبدالله البصری الزهری الوفاة: 230 ، دار النشر : دار صادر - بیروت